أثر الفراشة (2013)

حائر انا لا اعرف من اين ابدأ هذه الحكاية . ابدءها من البداية ام ابداها من بداية البداية .
وككل ايام نهاية ذاك العام، كنت في تلك الإبتدائية الرتيبة، الحافظ بن الحجر، اسم غريب لمدرسة ابتدائية. بملل شديد، دخلت القاعة لأجد، على غير العادة، رجل قصير القامة، همس لي بكلمات أجنبية لم افهم معناها ان ذاك، ليس لجهلي بالغة الفرنسية، بل لردائة أسلوبه. كان هذا وحده سببا كافيا ليجعلني استدير عائدا من حيث اتيت، مستغنيا عن دروس الدعم المجانية هته. لاكني لم افعل. شيئ ما دفعني للدخول. جلست بمكان شاغر بجوار صديق. استفسرت عن سبب غياب المدير الذي كان من المفترض ان يشرح لنا درس الإرث. واستفسرت كذلك عن سبب وجود ذلك الرجل قصير القامة. همس صديقي ببعض الجمل المبعثرة، فقررت الاستسلام ومجارات التيار الى حين.
"..Antigone est une piece de theatre ecrit par sophocle.."
بصوت متقطع، كان قصير القامة يتحدث عن الشهيرة انتيغون. ماحدث لاحقا، لم يكن في الحسبان. منذ ان ولجت وأنا جالس على طاولة في منتصف القاعة. ومنذ ان دخلت لم استدر لارى من حوالي. ويال دهشتي حين فعلت.
موجات كهربائية عالية التردد هزت دهاليز جسدي. فتاة لم ارها من قبل. فتاة لم اسمع بها من قبل. من این اتت؟ كيف حطت؟ وكيف لم الحظ وجودها من قبل رغم وجودها الصارخ؟ سرحت بالخيال بعيدا في تلك الحظة. افكار تهاطلت من كل الجوانب. انسج وافكك اخيط وأعيد. لم اعد الى صوابي الا على اثر صراخ صديقي.
"مهدي "، قال.
"نعم!"، أجبته فزعا.
"هته الفتاة، تعتقد بأن اودب زار قرية كل سكانها اصابهم الطاعون قبل ان يلتقي بالوحش الأسطوري؛ اخبرها بانها مخطئة!"
مخطئة؟ اتعي ماتقول يا هذا؟ انا المخطئ الذي لم الحظ وجودها الى الآن وهي بجانبي. تجاهلت طلبات صديقي وصرت احدق في الساعة التي اصبحت، وعلى غير عادتها، مسرعة. ساعة مضت كالثانية.
لم أرها بعد تلك اليلة. لم تعد تزور المدرسة. انا الذي كنت امقت المجيئ الى تلك المدرسة، أصبحت ازورها يوميا على امل ان تظهر الفراشة مرة ثانية. فلم تظهر الفراشة. ولم انم انا ليلة بعدها.
مرت أيام عطلة الصيف مملة على غير عادتها. ايام كان من المفترض ان تكون خضراء مليئة بالبهجة، أصبحت رمادية مليئة بالكأبة. طويتها بسرعة. الشيئ الوحيد الذي اعانني على تمضيتها هو أمل القاء بالفراشة في العام المقبل في الثانوية. فقد كنت خلصت (بعد ليلة شاقة من التحليل و الاستنتاج) الى أنها، بلا شك، تدرس هناك. وكالمتوقع تماما، حدث القاء.
كنت اتأمل استعمال الزمن الخاص بي. لمحة عيناي مزيجا فريدا من الألوان: الاسود والوردي. لم استوعب الأمر في البداية. لاكن سرعان ما عدت الى صوابي. الفراشة! بشهامة تتنقل بين الشبابيك. تلقح اوراقها. تأكدت، يقينا، حينها من أنها تشاركني نفس الثانوية. وقفت متصمرا من عظمة المنظر امامي. فسيفساء متقنة الصنع. لوحة كاملة. ايقونة متألقة. كانت تتفقد استعمال الزمن خاصتها ووالدها بجانبها. كل شيئ حولهم ثابت، وكل شيئ بداخلي يتحرك. لم استطع التحرك من مكاني وأثرت ان اراقب بصمت من بعيد. هموا بالانصراف. فتحركت، عيني، وحدها، لاشعوريا متتبعة حركاتهما بالبطيئ الى ان اختفوا..تماما.
بعد القاء الثاني، صرت أراها تقريبا في كل مكان. ادير رأسي فاذا بها هناك. ارفعه فأجدها تحدق من الطابق الثاني للمؤسسة غير واعية بوجودي، ومدرك أنا بكل ذرة فيها.
رغم أن لقب الفراشة يناسبها، الا اني سأمت منه. اردت معرفة الاسم الحقيقي لفراشتي. تتبعتها و تفقدت اثرها ذات يوم. فطنت الى القسم الذي تدرس به. أرسلت صديقا لي ليجلب لي إسمها.
وفعل: فاطمة الزهراء .


يتبع.